فصل: من فوائد الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ الله شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ}.
فلا فداء ينفعهم، ولا غناء يدفعهم، ولا مال يُقبَلُ منهم، ولا حجاب يُرفَع عنهم، ولا مقال يسمع فيهم، بهم يُسَعَّرُ الجحيم، ولهم الطرد الأليم، والبعد الحميم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ الله شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ}.
ساعة تسمع وأنت المؤمن، ويسمع معك الكافر، ويسمع معك المنافق: {رَبَّنَا أنك جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} ربما فكر الكافر أو المنافق أن هناك شيئا قد ينقذه مما سيحدث في ذلك اليوم، كعزوة الأولاد، أو كثرة مال يشتري نفسه به، أو خلة، أو شفاعة، هنا يقول الحق لهم: لا، إن أولادكم وأموالكم لا تغني عنكم شيئا.
وفي اللغة يقال: هذا الشيء لا يغني فلانًا، أي أنه يظل محتاجًا إلى غيره؛ لأن الغِنَى هو ألا تحتاج إلى الغير، فالأموال والأولاد لا تُغني أحدًا في يوم القيامة، والمسألة لا عزوة فيها، ولا أنساب بينهم يومئذ والجنة ليست للبيع، فلا أحد يستطيع شراء مكان في الجنة بمال يملكه.
وكان الكافرون على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك القول الشاذ يقولون: مادام الله قد أعطانا أموالًا وأولادًا في الدنيا فلابد أن يعطينا في الآخرة ما هو أفضل من ذلك. ولذلك يقول الله لهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ الله شَيْئًا} إذن فالأمر كله مردود إلى الله. صحيح في هذه الدنيا أن الله قد يخلق الأسباب، والكافر تحكمه الأسباب، وكذلك المؤمن، فإذا ما أخذ الكافر بالأسباب فإنه يأخذ النتيجة، ولكن في الآخرة فالأمر يختلف؛ فلن يملك أحد أسبابًا، ولذلك يقول الحق عن اليوم الآخر: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16].
إن البشر في الدنيا يملكون الأسباب، ويعيشون مختلفين في النعيم على اختلاف أسبابهم، واختلاف كدحهم في الحياة، واختلاف وجود ما يحقق للإنسان المُتع، لكن الأمر في الآخرة ليس فيه كدح ولا أسباب؛ لأن الإنسان المؤمن يعيش بالمُسبب في الآخرة وهو الله- جلت قدرته- فبمجرد أن يخطر الشيء على بال المؤمن في الجنة فإن الشيء يأتي له. أما الكفار فلا يغني عنهم مالهم ولا أولادهم، لأنهم انشغلوا في الدنيا بالمال والأولاد وكفروا بالله.
{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: 11].
إذن فما انشغل به الكفار في الدنيا لن ينفعهم، ويضيف الحق عن الكفار في تذييل الآية التي نحن بصددها: {وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} إنهم المعَذبون، وسوف يتعذبون في النار. ولنر النكاية الشديدة بهم، إن الذين يُعَذَّبون هم الذي يُعَذَّبُون؛ لأنهم بأنفسهم سيكونون وقود النار. إن المعَذَّب- بفتح العين وفتح الذال مع التشديد- يكون هو المعَذِّب- بفتح العين وكسر الذال مع التشديد- فهذه ثورة الأبعاض. فذرّات الكافر مؤمنة، وذرات العاصي طائعة، والذي جعل هذه الذرات تتجه إلى فعل ما يُغضب الله هو إرادة صاحبها عليها.
وضربنا قديما المثل- ولله المثل الأعلى- وقلنا: هب أن كتيبة لها قائد فالمفروض في الكتيبة أن تسمع أمر القائد، وتقوم بتنفيذ ما أمر به؛ فإذا ما جاءوا للأمر والقائد الأعلى بعد ذلك فإنهم يرفعون أمرهم إليه ويقولون له: بحكم الأمر نفذنا العمل الذي صدر لنا من قائدنا المباشر وكنا غير موافقين على رأيه. وفي الحياة الإيمانية نجد القول الحكيم من الخالق: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النور: 24].
فكان اللسان ينطق بكلمة الكفر وهو لاعِنٌ لصاحبه. واليد تتقدم إلى المعصية وهي كارهةٌ لصاحبها ولاعِنةٌ له، إن إرادة الله العليا هي التي جعلت للكافر إرادة على يده ولسانه في الدنيا، وينزع الله إرادة الكافر عن جوارحه يوم القيامة فتشهد عليه أنه أجبرها على فعل المعاصي، وتعذب الأبعاض بعضها، وعندما يقول الحق: {وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} وهنا مسألة يجب أن نلتفت إليها ونأخذها من واقع التاريخ، هذه المسألة هي أن الذين كفروا برسالات الله في الأرض تلقوا بعض العذاب في الدنيا؛ لأن الله لا يدّخر كل العقاب للآخرة وإلا لشقي الناس بالكافرين وبالعاصين، ولذلك فإن الله يُعَجِّلُ بشيء من العقاب للكافرين والعاصين في هذه الدنيا.
ويقول الحق مثإلا على ذلك: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (11):

قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَالله شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان السبب المقتضي لاستمرارالكفر من النصارى المجادلين في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام الخوف ممن فوقهم من ملوك النصرانية نبههم سبحانه وتعالى على أول قصة أسلافهم من بني إسرائيل، وما كانوا فيه من الذل مع آل فرعون، وما كان فيه فرعون من العظمة التي تُقسر بها ملوك زمانهم، ثم لما أراد الله سبحانه وتعالى قهر أسلافهم له لم تضرهم ذلتهم ولا قلتهم، ولا نفعته عزته ولا كثرة آله، فلذلك صرح بهم سبحانه وتعالى وطوى ذكر من قبلهم فقال: {كدأب} أي لم يغن عنهم ذلك شيئًا مثل عادة {آل فرعون} أي الذين اشتهر لديكم استكبارهم وعظمتهم وفخارهم، قال الحرالي: الدأب العادة الدائمة التي تتأبد بالتزامها، وآل الرجل من إذ أحصر تراءى فيهم فكأنه لم يغب؛ وفرعون اسم ملك مصر في الكفر، ومصر أرض جامعة كليتها وجملة، إقليمها نازل منزلة الأرض كلها، فلها إحاطة بوجه ما، فلذلك أعظم شأنها في القرآن وشأن العالي فيها من الفراعنة، وكان الرسول المبعوث إليه أول المؤمنين بما وراء أول الخلق من طليعة ظهور الحق لسماع كلامه بلا واسطة ملك، فكان أول من طوى في رتبة بنوتة رتبة البنوة ذات الواسطة، فلذلك بدئ به في هذا الخطاب لعلو رتبة بنوته بما هو كليم الله ومصطفاه على الناس، ولحق به من تقدمهم بما وقعت في بنوته من واسطة زوج أو ملك، وخص آله لأنه هو كان عارفًا بأمر الله سبحانه وتعالى فكان جاحدًا لا مكذبًا انتهى.
{والذين} ولما كان المكذبون إنما هم بعض المتقدمين أدخل الجار فقال: {من قبلهم} وقد نقلت إليكم أخبارهم وقوتهم واستظهارهم فكأنه قيل: ماذا كانت عادتهم؟ فقيل: {كذبوا} ولما كان التكذيب موجبًا للعقوبة كان مظهر العظمة به أليق، فصرف القول إليه فقال: {بآياتنا} السورية والصورية مع ما لها من العظمة بما لها من إضافتها إلينا {فأخذهم} ولما أفحشوا في التكذيب عدل إلى أعظم من مظهر العظمة تهويلًا لأخذهم فقال: {الله} فاظهر الاسم الشريف تنبيهًا على باهر العظمة {بذنوبهم} أي من التكذيب وغيره.
قال الحرالي: فيه إشعار بأن صريح المؤاخذة مناط بالذنوب، وأن المؤاخذة الدنيوية لا تصل إلى حد الانتقام على التكذيب، فكان ما ظهر من أمر الدنيا يقع عقابًا على ما ظهر من الأعمال، وما بطن من أمر الآخرة يستوفي العقاب على ما أصرت عليه الضمائر من التكذيب، ولذلك يكون عقاب الدنيا طهرة للمؤمن لصفاء باطنه من التكذيب، ويكون واقع يوم الدنيا كفاف ما جرى على ظاهره من المخالفة فكأن الذنب من المؤمن يقع في دنياه خاصة، والذنب من الكافر يقع في دنياه وأخراه من استغراقه لظاهره وباطنه، وأظهر الاسم الشريف ولم يضمر للتنبيه على زيادة العظمة في عذابهم لمزيد اجترائهم فقال: {والله} أي الحال أن الملك الذي لا كفوء له في جبروته ولا شيء من نعوته {شديد العقاب} لا يعجزه شيء. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
{نزل عليك الكتاب} عبر عن القران بالكتاب، ايذانا بكمال تفوقه على بقية الكتب السماوية، الحقيق بان يطلق عليه اسم الكتاب.
{لما بين يديه} كناية عما تقدمه وسبقه من الكتب السماوية.
{وأنزل الفرقان} أي انزل سائر ما يفرق بين الحق والباطل، وهذا من باب عطف العام على الخاص لافادة الشمول، مع العناية بالخاص تنويها لشانه.
{هن أم الكتاب} هذه استعارة لطيفة، والمراد بها ان هذه الايات، جماع الكتاب واصله، فهي بمنزلة الام له، كما يتعلق الولد بامه، ويفزع إليها في مهمه.
{والراسخون في العلم} وهذه استعارة أيضا، والمراد بها المتمكنون في العلم، تشبيها برسوخ الشيء الثقيل في الارض الخوارة، وهو ابلغ من قوله: والثابتون في العلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
في كاف {كَدَأب} وجهانِ:
أحدهما: أنها في محل رَفْع؛ خَبَرًا لِمبتدأ مُضْمَر، تقديره: دأبهم- في ذلك {كَدَأبِ آلِ فِرعَوْن} وبه بدأ الزمخشريُّ، وابنُ عطية.
الثاني: أنها في محل نَصْب، وفي الناصب لها تسعةُ أقوالٍ:
أحدها: أنها نَعْتٌ لمصدر محذوف، والعامل فيه {كَفَرُوا}، تقديره: إنَّ الذين كفروا كُفْرًا كدأب آل فرعون، أي: كعادتهم في الكفر، وهو رأي الفرَّاءِ.
وهذا القول مردود بأنه قد أخبر عن الموصول قبل تمام صلته، فلزم الفصلُ بينَ أبْعَاضِ العلةِ بالأجنبيِّ، وهو لا يجوز.
الثاني: أنه مصوب بـ {كَفَرُوا} لكن مقدر؛ لدلالة هذا الملفوظ به عليه.
الثالث: أن الناصبَ مقدَّر، مدلول عليه بقوله: {لَنْ تُغْنِيَ} أي: بطل انتفاعهم بالأموالِ والأولادِ كعادة آل فرعونَ في ذلك. والمعنى: إنكم قد عرفتم ما حلَّ بآل فرعون ومَنْ قبلَهم من المكذبين بالرسل- من العذاب المعجل الذي عنده- لم ينفعهم مال ولا ولد.
الرابع: أنه منصوب بلفظ {وَقُودُ}، أي: تُوقَد النارُ بهم كما توقد بآل فرعون، كما تقول: أنك لتظلم الناس كدأبِ أبيك، تريد: كظلم أبيك، قاله الزمخشريُّ، وفيه نظر؛ لأن الوقود- على القراءة المشهورة- الأظهر فيه أنه اسم لِما يوقد به، وإذا كان اسمًا فلا عَمَل له، فإن قيل: أنه مصدر على قراءة الحَسن صَحَّ، ويكون معنى الدأب: الدؤوب- وهو اللُّبْثُ والدوام، وطول البقاء في الشيء- وتقدير الآية: {وَأُولَئِكَ هُم وَقُودُ كَدَأْبِ آل فِرْعَونَ}.
أي: دؤوبهم في النار كدأب آل فرعون.
الخامس: أنه منصوب بنفس {لَنْ تُغْنِي} أي: لن تغني عنهم مثل ما لم تُغنِ عن أولئك، ذكره الزمخشري، وضعَّفه أبو حيَّان بلزوم الفصل بين العامل ومعموله بالجملة- التي هي قوله: {وأولئك هُمْ وَقُودُ النار} قال: على أي التقديرين اللَّذَيْنِ قدرناهما فيهما من أن تكون معطوفة على خبر إنَّ أو على الجملة المؤكَّدة بـ {إنَّ} قال: فإن جعلتها اعتراضيةً- وهو بعيد- جازَ ما قال الزمخشريُّ.
السادس: أن يكون العامل فيها فعلًا مقدَّرًا، مدلولًا عليه بلفظ الوَقُود، تقديره: توقَد بهم كعادة آل فرعون، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق، قاله ابنُ عطية.
السابع: أن العامل يُعَذَّبُونَ كعادةِ آل فرعونَ، يدل عليه سياق الكلام.
الثامن: أنه منصوب {كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}، والضمير في {كَذَّبُوا} على هذا- لكفار مكة وغيرهم من معاصِرِي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم- أي: كذبوا تكذيبًا كعادة آل فرعونَ في ذلك التكذيب.
التاسع: أن العامل فيه قوله: {فَأَخَذَهُمُ الله}، أي: فأخذهم الله أخْذًا كأخذه آل فرعون، والمصدر تارةً يضاف إلى الفاعل، وتارةً إلى المفعول، والمعنى: كَدَأبِ الله في آل فرعون، ونظيره قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله} [البقرة: 165] أي: كَحُبِّهم لله، وقال: {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} [الإسراء: 77] والمعنى: سنتي فيمن أرسلنا قبلك، وهذا مردود؛ فإن ما بعد الفاء العاطفة لا يعمل فيما قبلها، لا يجوز قمت زيدًا فضربت وأما زيدًا فاضرب، فقد تقدم الكلام عليه في البقرة.
وقد حكى بعضُ النحاةِ- عن الكوفيين- أنهم يجيزون تقديم المعمول على حرف العطف، فعلى هذا يجوز هذا القول، وفي كلام الزمخشريِّ سهو؛ فإنه قال: ويجوز أن ينتصب محلُّ الكاف بـ {لَنْ تُغْنِيَ} أو بـ {خَالِدُونَ}، أي: لم تُغنِ عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك، أو هم فيها خالدون كما يُخَلَّدُون.
وليس في لفظ الآية الكريمة {خَالِدُونَ}، إنما نظم الآية: {وأولئك هُمْ وَقُودُ النار}، ويبعد أن يقال: أراد {خَالِدُون} مُقَدَّرًا، يدل عليه السياق، اللهم إلا إن فسرنا الدأبَ باللُّبْث والدوام وطول البقاء.
وقال القفَّالُ: يحتمل أن تكون الآية جامعة للعادة المضافة إلى الله تعالى، والعادة المضافة إلى الكفار، كأنه قيل: إن عادة هؤلاء الكفار في إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم كعادة من قبلهم في إيذاء رُسُلِهِم وعادتنا أيضا في إهلاك الكفارِ، كحعادتنا في إهلاك أولئك الكفار المتقدمين، والمقصود- على جميع التقديراتِ- نصر النبي صلى الله عليه وسلم على إيذاء الكفار، وبشارته بأن الله سينتقم منهم.
الدأب: العادة، يقال: دأب، يَدْأبُ، اي: واظب، ولازم، ومنه {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا} [يوسف: 47]، أي: مداومة.
وقال امرؤ القيس: [الطويل]
كَدَأبكَ مِنْ أمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا ** وَجَارَتِهَا أمِّ الرَّبَابِ بِمَاسَلِ

وقال زُهير: [الطويل]
لأرْتَحِلَنّ بِالْفَجْرِ ثُمَّ لأدْأبَنّْ ** إلَى اللَّيْلِ إلاَّ أنْ يُعَرِّجَنِي طِفْلُ

وقال الواحديُّ: الدأب: الاجتهاد والتعب، يقال: صار فلان يومه كله يَدْأب فيه، فهو دائب، أي: اجتهد في سَيْرِه، هذا أصله في اللغة، ثم يصير الدأب عبارة عن الحال والشأن والأمر والعادة؛ لاشتمال العمل والجهد على هذا كله.
وكذا قال الزمخشريُّ، قال: مصدر دأب في العمل إذا كَدَح فيه، فوُضِع مَوْضِعَ ما عليه الإنسان من شأنه وحاله.
ويقال: دأَب، ودأْب- بفتح الهمزة وسكونها- وهما لغتان في المصدر كالضأن والضأَن وكالمَعْز والمَعَز وقرأ حفص: {سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا} بالفتح.
قال الفرَّاء: والعرب تثقل ما كان ثانيه من حروف الحلق كالنَّعْل والنَّعَل، والنَّهْر والنَّهَر، والشَّأْم والشَّأَم.
وأنشد: [البسيط]
قَدْ سَارَ شَرْقِيُّهُمْ حَتَّى أتَوْا سَبَأ ** وَانْسَاحَ غَرْبِيُّهُمْ حَتَّى هَوى الشَّأَمَا

{والذين مِن قَبْلِهِمْ} يجوز أن يكون مجرورًا نسقًا على {آلِ فِرْعَوْنَ}، وأن يكون مرفوعًا على الابتداء، والخبر قوله- بعد ذلك- {كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله}، وهذان الاحتمالان جائزان مطلقًا، وخص أبو البقاء جواز الرفع بكون الكافِ في محل رفع، فقال: فعلى هذا- أي: على كونها مرفوعة المحل؛ خبرًا لمبتدأ مضمر- يجوز في {والذين مِن قَبْلِهِمْ} مبتدأ، و{كَذَّبُوا} خبره.
قوله: {كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} قد تقدم أنه يجوز أن يكون خَبرًا عن {الَّذِينَ} إن قيل: أنه مبتدأ، فإن لم يكن مبتدأ فقد تقدم أيضا أنه يكون تفسيرًا للدأب، كأنه قيل: ما فعلوا، وما فعل بهم؟ فقيل: كذبوا بآياتِنا، فهو جوابُ سؤال مقدر، وأن يكون حالًا، وفي قوله: {بِآيَاتِنَا} التفات؛ لأن قبله {مِّنَ الله} وهو اسم ظاهر.
والمراد بالآيات: المعجزات، والباء في {بِذُنُوبِهِمْ} يَجوز أن تكون سببيةً، أي: أخذهم بسبب ما اجترحوا، وأن تكون للحالِ، أي أخذهم متلبسين بالذنوب، غير تائبين منها والذنب في الأصل- التِّلْو والتابع، وسُمِّيَت الجريمةُ ذَنْبًا؛ لأنها يتلو، أي: يتبع عقابُها فاعلمه والذَّنُوب: الدَّلْو؛ لأنها تتلو الحبلَ في الجذبِ، وأصل ذلك من ذَنَب الحيوان؛ لأن يذنبه أي: يتلوه، يقال: ذنبه يذنبه ذنبًا، أي: تبعه، واستعمل في الأخذ؛ لأن مَنْ بينَ يده العقاب كالمأخوذ المأسور الذي لا يَقْدر على التخلُّص. قوله: {شَدِيدُ العقاب} كقوله: {سَرِيعُ الحساب} [البقرة: 202]، أي: شديدٌ عِقَابه وقد تقدم تحقيقه. اهـ.